ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الإنسان مخلوق متمَيِّز عن سواه من المخلوقات

21:30 - April 22, 2024
رمز الخبر: 3495397
بيروت ـ إکنا: إن الإنسان مخلوق متمَيِّز عن سواه من المخلوقات، هو موجود ذو بعدين، بعد سماوي ملائكي، وبعد أرضي حيواني، في بعده السماوي الملائكي منحه الله العقل الذي به يميز بين الحُسنِ والقُبح، وبين الصحِّ والخطأ، وبين الحقِّ والباطل، وبين ما يجب فعله وما لا يجوز له فعله.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قَرينُ الشَّهْوَةِ مَريضُ النَّفْسِ مَعْلُولُ الْعَقْلِ".
 
أصل اَلشَّهْوَةِ‌: نزوع النّفس إلى ما تريده، والرغبة الجامحة في الحصول عليه. ومن طبيعتها الجموح والإلحاح في الطلب، فلا تمل ولا تكل، ولا تكتفي بالقليل فكلما لبَّاها رغبت بالمزيد، وإنها لتراود صاحبها كل الوقت، وإنها لتسلبه حُرِّيَته وتصيّره عبداً لها، خاضعاً لإرادتها، لاهِثاً في تلبيتها، كما تسلبه كرامته وهي أعزُّ ما يجب أن يحافظ عليه، لكنه يتجاوزها ويتجاهلها ليقضي وطَرَ شهواته، ومن يكن كذلك فهو مريض النفس عليل العقل، إذ لو كانت نفسه سليمة سوِيَّة، وكان عقله سليماً قوياً فاعلاً لأمسك بشهواته، وصَيَّرها تحت إمرته، ولبّى حاجاتها بالقدر المعقول، ومن الطريق المعقول.
 
إن الإنسان مخلوق متمَيِّز عن سواه من المخلوقات، هو موجود ذو بعدين، بعد سماوي ملائكي، وبعد أرضي حيواني، في بعده السماوي الملائكي منحه الله العقل الذي به يميز بين الحُسنِ والقُبح، وبين الصحِّ والخطأ، وبين الحقِّ والباطل، وبين ما يجب فعله وما لا يجوز له فعله.

وفي بعده الحيواني ركَّب الله فيه الغرائز والشهوات والأهواء، وهذا البُعدان ضروريان له، فهما بمثابة الجناحَين الذي يحلِّق بهما ويعرج في مدارج الكمال الإنساني.

إن هاتين القوتين: الشهوات والعقل تتجاذبان الإنسان، فإذا قويت شهواته وسيطرت عليه وكان ضعيفاً أمامها تردَّت به إلى ما دون الحيوانية، فصار همه إشباعها دون قيود وشروط، ويصبح همه الأوحد بطنه، وفرجه، فإذا أضفنا إلى ذلك وجود الكثير من المُثيرات والمُغريات في الواقع الخارجي، والكثير من الوسائل الشيطانية الحديثة التي تلاحقه في كل مكان وزمان، بل تدخل عليه حتى وهو على فراشه، تغريه، وتغويه، وتُضِلُّه، وتُمَنِّيه، وتُزَيِّن له الشهوات، فمن المؤكَّد أنها ستسلب النوم من عينيه وتقلق راحته، لأنه سيقضي حياته لاهثاً خلفها، منقاداً لأمرها، هذا إذا قَدِرَ على تلبيتها جميعاً، أما إذا حالَ الواقع الخارجي دون إشباعه لها فسيؤدي به ذلك إلى اختلال توازنه النفسي فلا تراه إلا قَلِقاً متوتراً، هائماً على وجهه، لا يذوق طعم الراحة والطمأنينة، ناهيك عن صيرورته بهيمة في صورة إنسان. 

وإذا قويَت قوة العقل فيه، فغلبت شهواته وأحكمت قبضتها عليها، فإنها لا يلغيها، ولا يقمعها، ولا يعطِّلها، ولا يتنكَّر لها، بل يستفيد من إيجابياتها، ويشبعها الإشباع المعقول، ومن طريق معقول، ويقيدها بقيود الشريعة الغرَّاء التي تأمره بإشباعها من جهة، وكبح جموحها من جهة أخرى، فدور العقل هو تعديل الشهوة وتهذيبها واستبدال مثيراتها الطبيعية بمثيراتٍ أخرى تتجه بها إلى السمو والكمال، وتدع به سلوكها الفطري إلى سلوكٍ فيه النضج والقوة للفرد والصلاح للمجتمع، والعقل يقدّم التسامي على اللذات الفانية، ويوجه الإنسان إلى طاعة ربّه ويقدمها على غيرها.

إن على الإنسان أن يُشبع شهواته، ولكن ليس له أن يكون شهوانياً، والفرق بين الإثنين بَيِّنٌ وواضح، فإشباع الشهوة ضروري، ويكون باعتدال وبالقدر الكافي، وهذا ما يتكفَّل به العقل، هنا تكون النفس سليمة، ويكون الإنسان حُراً لا تستعبده شهواته لأنه هو الذي يتحكَّم بها.

أما أن يكون شهوانياً فذلك يعني أن شهواته تستعبده، إذ لا همَّ له إلا إشباعها بأي وسيلة ومن أي طريق وكيفية، وهذا كاشف عن تعطُّل العقل لديه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha